غريب في وطني
      تتضاءل خيوط الشمس مودعة في رحيل، ويتضاعف الحزن داخل صدري الموجع، سنوات الغربة لا تنقضي والأيام المرة لا تفنى، سراب أحلام تتبخر، وملامح أرض مقفرة تلوح في الأفق البعيد، جراح الروح لا تندمل، وغصص الزمان تخنق المكان، آهات من عذاب، وسهاد واضطراب، ولا أزال في اغتراب.
ساد الصمت وأطبقت الظلمة فوها على المكان، فانحدرت الدموع كالسيل على الخد التريب، رأس بين ركبتين، وفؤاد يأبى الخضوع، ممزق داخل صندوق الضلوع المنحنية، ساعة من اللا كلام، وصوت يقطع الصمت يأبى السكوت، رياح السماء، تطرق النوافذ والأبواب، تتسلل من جوانب الفتحات، تصدر نشيجاً عالياً حزيناً.
نظرات بائسة تجوب الفضاء، وروح معذبة تنحني في كبرياء، كف تصافح التراب لتلامس جدران السجن الباردة، هنا وهناك بقايا أشلاء من الماضي السحيق، وزهور ذابلات ترقد على طاولة الأمنيات المبعثرة، خيبة الآمال تنام في مهدها المغبر من أثر السنين،  وعلى جدار من حطام صور من الذكرى، نافذة عمرها ألف عام، تطل على صحراء من دماء، وسراب أحلام يجوب الزمان في رحلة المكان، وهناك...تتقاطر من السقف دموع المطر المنهمر، ورائحة أريجه تعطر المكان، الأرض...كأنما تريد أن تصرخ براكبها ذو الحمل الثقيل وتسيخ من تحته في كبرياء، وهنا...لاشيء...لا شيء، سوى الغربة والوحدة، كسرة خبز وشربة ماء، ومنزل تتهالك جدرانه من قسوة الزمن، كتب متناثرة في كل مكان، صفحاتها بيضاء بيضاء، قد محا خطوطها طوفان الأيام الغابرة.
فتتقدم الأرجل في خطوات متعثرة، وتبحث في اللا مكان عن مكان، عن مأوى جديد، ترقد فيه رقدتها الأبدية، لتتجاوز به حدوداً خطتها أيدي الجبروت المتسلط، وتبسط جسدها المنهك في في مثواه الأخير.