
قال الشاعر:
لكل شيء إذا ما تم نقصـــــــان*** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول*** من سره زمن ساءته أزمان
إن كلا منا يعلم تمام العلم أن لكل شيء في هذه الدنيا بداية ولكن هل الجميع مقتنع أن لكل شيء نهاية أيضا؟؟!!
لعله سؤال غريب لدى البعض ومضحك لدى البعض الآخر لأن معظم الناس يؤمنون أن لكل شيء بداية ونهاية
وأنا هنا أحببت أن أطرح موضوعا لطالما شغل تفكيري, فمن وجهة نظري الشخصية أرى أن ليست كل الأمور تنتهي لحد ما, وما بعض النهايات الا بداية البداية وهكذا نكون في حياتنا دائما في دائرة تبدأ بالبداية ونهايتها بداية البداية, وهذا لا يعني انعدام وجود نهاية حقيقية للأشياء ولكن يعني أن لكل بداية نهاية تكون هي البداية... .
قد يوقع هذا الكلام البعض في متاهة وحيرة ولا أستغرب ذلك, ولكن لنتمعن الآن ونرى, فإننا كمسلمين نعلم علم اليقين أن الموت هو معبر وجسر للآخرة, وأن ما بعد هذا العالم هو عالم آخر, فهنا أدركنا تمام الإدراك أن نهاية الدنيا هو بداية المسير نحو الآخرة, ونهاية كوننا بشرا هو عينه بداية رجوعنا أرواحا تسير في طريقها نحو البداية الجديدة, فما كنا عليه قبل الدنيا هو بدايتنا, لقد كنا في عالم الذر أرواحا نعيش ذات الحياة التي نحياها في الدنيا, فلما أن أذن الله لنا لنستقر في بطون أمهاتنا لم يكن ذلك نهاية عالمنا الذي عشناه سابقا بل على العكس, إنه بداية تلك الحياة, تبسط امامنا ونعيشها في قالب الجسد المادي, وانتقلنا من عالمنا الروحي لعالم حسي مادي قوامه الأجساد والأجسام والمواد.
ونحيا هذه الحياة كما هو مقدر لنا ولكن بإرادة أودعها الله عز وجل فينا ليكون لنا الحرية في اختيار نهجنا وطريقنا, وهذا اختبار من الله تعالى لنا وحجة علينا, فخرجنا من بداية لبداية فنحن لم ننهي حياتنا في عالم الأرواح, فما الدنيا الا دار ابتلاء واختبار وتمحيص, ليتميز الخبيث من الطيب والصالح من السيء, لتكون نهاية حياتنا الدنيا هي بداية العودة للآخرة والحياة الروحية في عالم التمهيد عالم البرزخ, هذا العالم الذي يفصل بين أهل الجنة وأهل النار, وهو العالم المتوسط بين الدنيا والآخرة, ومرحلة من مراحل حياتنا, فنخرج من بداية لبداية لبداية دون أن ننتهي من الوجود.
فنحن قد كنا موجودين, ولازلنا موجودين, وسنضل موجودين, ولكننا ننتقل من مرحلة لمرحلة وفق إرادة الرب الجليل, قال الإمام عليه السلام في دعائه: ( فيامن قهر عباده بالموت والفناء) فالموت في الدنيا هو إظهار لقدرة الله تعالى وعظمته وقوته في ملكه, إذ كانت الدنيا العالم الذي سحر الإنسان لإدراكه لها, دون أن يدرك حقيقة العالم الذي جاء منه, فغاص في حبها وتنكر لغيرها, وتعلق بها, فكفر بأنعم ربه وطغى وتجبر, وأنكر ما وراء الغيب والدار الآخرة.
وإننا حين نبحث في معتقدات بعض الشعوب الغير مسلمة, سنرى انها كانت ومازالت ترى أن الإنسان حين يموت تنتهي حياته تماما وتكون هذه الدنيا نهاية مسيرته, وشعوب أخرى آمنت بأن الجسد يفنى ولكن روح الإنسان لاتزال تنتقل من جسد الى جسد وتعيش في أجساد مختلفة حياة أصحابها محتفظة ببعض صفاتها في نشأتها الأولى, فهي لا تنتهي أبدا ولا تزول, وهناك آخرون آمنوا بأن الروح تنتقل لعالم آخر وتعيش فيه حياة شبيهة بتلك التي عاشتها في الدنيا لكنهم يتخلصون من أجسادهم ليتحولوا إلى أرواح أو أشباح يمكن لها زيارة عالم الدنيا دون أن نراهم ولكنهم يرونا ويسمعونا, ولا يخفى على الكثير منا ما كان يؤمن به الفراعنة من أن موتاهم سيعودون للحياة يوما ما فيأخذون في تجهيزهم لتلك الرحلة بتحنيطهم وتزويدهم بما يحتاجون من مأكل وملبس ومال, لكي لا يشعروا بالغربة حين يعودون بعد مئات السنين وتدب فيهم الحياة من جديد.
فهنا نرى ان الكثيرين - سواء علموا أم لم يعلموا - يؤمنون أن لكل بداية بداية جديدة هي في ظاهرها نهاية البداية, ولكن ماهي إلا بداية البداية... .

