الثلاثاء، 17 مارس 2009

بداية ونهاية



قال الشاعر:

لكل شيء إذا ما تم نقصـــــــان*** فلا يغر بطيب العيش إنسان

هي الأمور كما شاهدتها دول*** من سره زمن ساءته أزمان


إن كلا منا يعلم تمام العلم أن لكل شيء في هذه الدنيا بداية ولكن هل الجميع مقتنع أن لكل شيء نهاية أيضا؟؟!!
لعله سؤال غريب لدى البعض ومضحك لدى البعض الآخر لأن معظم الناس يؤمنون أن لكل شيء بداية ونهاية
وأنا هنا أحببت أن أطرح موضوعا لطالما شغل تفكيري, فمن وجهة نظري الشخصية أرى أن ليست كل الأمور تنتهي لحد ما, وما بعض النهايات الا بداية البداية وهكذا نكون في حياتنا دائما في دائرة تبدأ بالبداية ونهايتها بداية البداية, وهذا لا يعني انعدام وجود نهاية حقيقية للأشياء ولكن يعني أن لكل بداية نهاية تكون هي البداية... .

قد يوقع هذا الكلام البعض في متاهة وحيرة ولا أستغرب ذلك, ولكن لنتمعن الآن ونرى, فإننا كمسلمين نعلم علم اليقين أن الموت هو معبر وجسر للآخرة, وأن ما بعد هذا العالم هو عالم آخر, فهنا أدركنا تمام الإدراك أن نهاية الدنيا هو بداية المسير نحو الآخرة, ونهاية كوننا بشرا هو عينه بداية رجوعنا أرواحا تسير في طريقها نحو البداية الجديدة, فما كنا عليه قبل الدنيا هو بدايتنا, لقد كنا في عالم الذر أرواحا نعيش ذات الحياة التي نحياها في الدنيا, فلما أن أذن الله لنا لنستقر في بطون أمهاتنا لم يكن ذلك نهاية عالمنا الذي عشناه سابقا بل على العكس, إنه بداية تلك الحياة, تبسط امامنا ونعيشها في قالب الجسد المادي, وانتقلنا من عالمنا الروحي لعالم حسي مادي قوامه الأجساد والأجسام والمواد.

ونحيا هذه الحياة كما هو مقدر لنا ولكن بإرادة أودعها الله عز وجل فينا ليكون لنا الحرية في اختيار نهجنا وطريقنا, وهذا اختبار من الله تعالى لنا وحجة علينا, فخرجنا من بداية لبداية فنحن لم ننهي حياتنا في عالم الأرواح, فما الدنيا الا دار ابتلاء واختبار وتمحيص, ليتميز الخبيث من الطيب والصالح من السيء, لتكون نهاية حياتنا الدنيا هي بداية العودة للآخرة والحياة الروحية في عالم التمهيد عالم البرزخ, هذا العالم الذي يفصل بين أهل الجنة وأهل النار, وهو العالم المتوسط بين الدنيا والآخرة, ومرحلة من مراحل حياتنا, فنخرج من بداية لبداية لبداية دون أن ننتهي من الوجود.

فنحن قد كنا موجودين, ولازلنا موجودين, وسنضل موجودين, ولكننا ننتقل من مرحلة لمرحلة وفق إرادة الرب الجليل, قال الإمام عليه السلام في دعائه: ( فيامن قهر عباده بالموت والفناء) فالموت في الدنيا هو إظهار لقدرة الله تعالى وعظمته وقوته في ملكه, إذ كانت الدنيا العالم الذي سحر الإنسان لإدراكه لها, دون أن يدرك حقيقة العالم الذي جاء منه, فغاص في حبها وتنكر لغيرها, وتعلق بها, فكفر بأنعم ربه وطغى وتجبر, وأنكر ما وراء الغيب والدار الآخرة.

وإننا حين نبحث في معتقدات بعض الشعوب الغير مسلمة, سنرى انها كانت ومازالت ترى أن الإنسان حين يموت تنتهي حياته تماما وتكون هذه الدنيا نهاية مسيرته, وشعوب أخرى آمنت بأن الجسد يفنى ولكن روح الإنسان لاتزال تنتقل من جسد الى جسد وتعيش في أجساد مختلفة حياة أصحابها محتفظة ببعض صفاتها في نشأتها الأولى, فهي لا تنتهي أبدا ولا تزول, وهناك آخرون آمنوا بأن الروح تنتقل لعالم آخر وتعيش فيه حياة شبيهة بتلك التي عاشتها في الدنيا لكنهم يتخلصون من أجسادهم ليتحولوا إلى أرواح أو أشباح يمكن لها زيارة عالم الدنيا دون أن نراهم ولكنهم يرونا ويسمعونا, ولا يخفى على الكثير منا ما كان يؤمن به الفراعنة من أن موتاهم سيعودون للحياة يوما ما فيأخذون في تجهيزهم لتلك الرحلة بتحنيطهم وتزويدهم بما يحتاجون من مأكل وملبس ومال, لكي لا يشعروا بالغربة حين يعودون بعد مئات السنين وتدب فيهم الحياة من جديد.

فهنا نرى ان الكثيرين - سواء علموا أم لم يعلموا - يؤمنون أن لكل بداية بداية جديدة هي في ظاهرها نهاية البداية, ولكن ماهي إلا بداية البداية... .



هناك تعليقان (2):

  1. - لازم أقعد الصبح مبجر ، و لكن للحين النوم مجافيني .. أنا أعلم أن نومي هو نهاية أرقي ، و لكن هو بداية راحتي ، إلى الآن إذا استمر الوضع فهذا يعني أن عندي يوم كامل من المعاناة دون راحة !
    هناك نهاية ( أو بداية ) ، و لكن ما يجعلني أركز على النهاية و أجعل كل همّي بها هو أن بها راحتي ، و لست على استعداد لمجابهة تلك البداية المتعبة .
    هذا المثال ( ما أدري إذا كان صياغته مناسبة أو لأ ) يوضح لماذا يحاول بعض الناس تناسي مسألة البداية الكامنة فيما نتصوره نهاية ، لأن ما يعيشه الآن من راحة او ما يتصوره من سعادة و متعة لا يتوقعه في رحلته القادمة لذلك هو يعتبر مجرد الانتقال لتلك المرحلة المجهولة هو النهاية ، و النهاية العظمى لآماله .
    للتقريب : تخيلي أن شخصا تربى في " هامبتونز " بنيويورك وسط أهله و أصحابه و مجتمعه المخملي ، اضطر لسبب ما للانتقال إلى نيروبي في كينيا ، طبيعي جدا أن يعتبر ذلك نهاية لحقبة وردية أكثر مما هو بداية لحقبة جميلة .. لأنه من وجهة نظره لا توازن بين الاثنين أو مقارنة !
    ارتباطنا بالدنيا هو ارتباط العاشق الولهان الذي يتصور أن كيانه كله هو فيها لذلك يعمل لها كأنه يعيش أبدا ، و جراء هذا الشيء يعتبر ان الموت هو نهاية لكل أحلامه و رغباته و عشقه للحياة و متعها الحسيّة ، بينما هناك من ينظر للموت على انه بداية المتع الإلهية لأنه سجن بالدنيا ، في الرواية قيل للإمام الصادق عليه السلام : صف لنا الموت.
    قال (عليه السلام) : للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه و ينقطع التعب و الألم كله عنه، وللكافر كلسع الأفاعي و لدغ العقارب أو أشد.
    معنى كلامه أنّ هذا الموت هو نهاية لحقبة كانت ضيقة على المؤمنين و بداية لحقبة هي ضيقة على الكافرين .. لذلك من يتصور أن النهاية هي البداية أو العكس ، فهو يقارن ما بعدها بما قبلها و منها يصدر حكمه بانها بداية أو نهاية .
    - في الروايات و الأخبار أن هناك عوالم قبل هذا العالم ، كلها تمثل اختبارات و ابتلاءات حين ينتقل الإنسان للعالم الآخر ينسى ما قبله و تبقى بعض آثارها ( كالالفة بين بعض الأرواح مثلاً ) ، و منها يظهر أن الدنيا هي آخر ابتلاء أو امتحان يمر به الإنسان و عليه يكون الجزاء النهائي : مثل الامتحانات المدرسية امتحان اولي ثم ثانوي ثم النهائي و عليه الدرجة الاكبر .. هكذا هي الدنيا ، هناك من يخشى الامتحان الاكبر لأنه ( زفت ) بما سبقه لذلك يحاول وضع تصورات ان هذا الامتحان لا فائدة منه او لا طائل و ان الشهادة بكبرها ماله حاجة فيها إلى ان يترك الدراسة تحت تأثير تحبيطه لنفسه ، بعضهم يقاتل على أمل في الحصول على درجة نهائية تجبر ما قبلها ، و بعضهم يوفق للعمل وفق الدرجات الاكبر لانه استعد و اجتهد .
    هذه النظريات التي صاغها الإنسان عن الموت و الانتقال بعده مثل هذا المثال سابق الذكر ، هناك اقوام فشلوا فعمدوا لاختراع نظريات تناسب فشلهم و اقوام حاولوا تطويعها قليلا و اقوام آمنوا بها على حقيقتها .
    تماما مثل مشركي مكة الذين ( عـبـدوا ) الأصنام لانها تقربهم إلى ( الله ) زلفى .. اغلالهم الجاهلية جعلتهم يطوعون امر التوحيد حتى يناسب جاهليتهم .
    هكذا هم البشر امتلكوا عقلا ليزوروا به الحقائق تبعا لاهوائهم ، لا ليصلوا به إلى النور الأعظم .
    - هذا المكتوب كله هو إعادة تكرار للموضوع المكتوب :) لانه و للحقيقة غطى جميـع الجوانب ، فكل ناحية يتم نقاشها سبق ذكرها و لكن للأرق أحكامه .. معذرة :)

    شكرًا .

    ردحذف
  2. هل كان هذا الموضوع " نهاية بداية " :) ؟

    ردحذف